طارق الشناوي يكتب : لا تصدقوهم عندما يلعنون الشهرة وسنينها!!

  • مقال
  • 01:54 مساءً - 2 اغسطس 2010
  • 2 صورتين



صورة 1 / 2:
فاتن حمامة
صورة 2 / 2:
حكاية فيفى و مهرجان كان

أصبحت واحداً من مجاذيب قناة التليفزيون العربي الجديدة أتابعها بشغف أتأمل مذيعيها «ليلي رستم»، «أماني ناشد»، «طارق حبيب»، «مني جبر»، «سلوي حجازي»، «مفيد فوزي»، «فريدة الزمر».. أحرص أيضاً علي التقاط ما يردده النجوم في أحاديثهم القديمة واكتشفت أن الإجابات واحدة لا تتغير رغم أن بعض هذه الإجابات تعود إلي نصف قرن من الزمان.. مثلاً عندما يسألون عن الشهرة وعلاقتهم بها الكل يلعن الشهرة وسنينها مثلما يلعنها أيضاً نجوم هذا الجيل.. أجمل وأرق تعليق هو ما قالته « فاتن حمامة» مؤكدة أنها تحب عندما تتجول في الخارج ألا ترتدي «كعب عال» فلا أحد سوف يعرفها لكنها لو فعلتها في مصر فسوف يقولون شوف قد إيه «فاتن» قصيرة!!

الفنان عادة يتذكر نصف الكوب الفارغ منتقداً الشهرة قائلاً: «تحرمني من أن أعيش حياتي كما أريدها.. أتجول علي راحتي مع أصدقائي.. ألهو في الشوارع.. أساوم البائعين»، وإذا مرت الأيام وانحسرت عنه الشهرة يري للمرة الثانية نصف الكوب الفارغ ويكره الحرية والانطلاق وتري في عينيه نظرة حنين لأيام الشهرة الخوالي عندما كان إذا مر في الشارع يتعطل المرور وتتبعه الجماهير الغفيرة.. هذا يتمني التوقيع علي أوتوجراف وذاك يتمني أن ينعم بالسلام عليه.

عندما يعيش الفنان أيام النسيان تبدأ عيناه في النظر إلي الناس وكأنه يتسول نظرتهم إليه.. هو الذي يتأملهم وهو الذي يلومهم وتعذبه تلك النظرات المحايدة ويواجهها بنظرات عاتبة تردد: « إن كنت ناسي أفكرك»!!

ولا تمر كل أيام الفنانين شهرة في شهرة، وعندما يسافر نجومنا إلي مهرجان «كان» علي سبيل المثال يتمتعون بكامل حريتهم حيث لا يتعرف عليهم إلا بعض العرب، وأتذكر منذ تسع سنوات أن « فيفي عبده» قررت الذهاب إلي مهرجان «كان» والصعود علي السجادة الحمراء في قصر المهرجان أسوة بـ « جوليا روبرتس»، « ميريل ستريب»، « نيكول كيدمان» ومفيش حد أحسن من حد وحصلت علي تذكرة الافتتاح بين 3 آلاف مدعو وكانت فيفي من الذكاء حيث أنها ارتدت زياً فرعونياً لتقول لهم أنا نجمة من مصر، وبينما كان النجوم العالميون وحتي نصف المشهورين يهلل لهم الجمهور أخذت فيفي تشير بيدها إلي الجمهور وتصفق وكادت أن ترقص لهم «عشرة بلدي» ولم يلمحها أحد إلا فقط مصورها الخاص الذي اصطحبته معها من القاهرة لتصوير وقائع اقتحام فيفي لعرين مهرجان «كان».. وهو الشريط الذي عرضته بعدها العديد من البرامج التليفزيونية علي اعتبار أنها قد غزت مهرجان «كان»، وهكذا رأي المشاهدون فيفي وهي تصعد وتحيي بيديها هنا وهناك لكن في حقيقة الأمر لا يوجد جمهور لا هنا ولا هناك!!

فيفي بالطبع ليست هي الوحيدة التي ذهبت إلي «كان» دون أن يعرفها أحد لأن « ليلي علوي»، « يسرا»، « محمود حميدة»، « لبلبة»، « محمود عبدالعزيز» وغيرهم صاروا من مدمني مهرجان «كان» لكنهم يذهبون ويعودون بلا أشرطة فيديو!!

الشهرة تمنح الفنان سطوة لأن الناس في العادة تنسج حول المشاهير قصصاً وحكايات هي امتداد بشكل أو بأخر لآلـهة القبائل الأفريقية والعربية القديمة التي كانوا يصنعونها من العجوة في البداية ويعبدونها وبعد بضع سنوات يلتهمونها ليصنعوا آلهة جديدة وهذا هو ما تفعله الشهرة بالفنان عندما تأتي إليه يعبدونه وعندما تنحسر عنه يلتهمونه!!

كانت « أم كلثوم» هي أكبر نموذج للفنانة الممنوعة من التداول الجماهيري تتكتم تماماً أخبارها الشخصية وتريد أن يتعامل معها الناس باعتبارها خارجة عن القاموس البشري!!

وبالطبع فإن الزمن الماضي كان يسهم في تجسيد هذا الإحساس الأسطوري إلا أن أجهزة الإعلام لعبت دورها في نزع تلك الهالة الأسطورية عن الفنان لأن التليفزيون بتعدد قنواته والفضائيات التي وصلت إلي رقم 700 جعلت الفنان متاحاً أكثر حتي مما ينبغي.. صحيح أنها ساهمت في زيادة مساحة شهرته لكنها خصمت منه الإحساس باقترابه من مشارف الأسطورة لان النجم المتاح إعلامياً بكثرة تشعر أنك تلمسه يومياً وهذا هو الفارق بين نجم التليفزيون ونجم السينما وبين شهرة نجم التليفزيون المتاح وشهرة نجم السينما الممنوع أقصد الذي كان ينبغي أن يظل ممنوعاً!!

ولهذا فإن عدداً قليلاً جداً من النجوم هم الذين أدركوا من البداية أن عليهم الاقتصاد الشديد في توفرهم إعلامياً مثل «أم كلثوم»، « محمد عبدالوهاب»، « ليلي مراد»، « نجاة»، « رشدي أباظة»، « عبدالحليم حافظ»، قبل سنوات كان « عادل إمام» يطبق هذه القاعدة لكنه صار الآن متاحاً أكثر مما ينبغي، الشهرة تلعب دوراً في حجم التغطية الإعلامية للقضايا مثلاً المذيع «إيهاب صلاح» ليس نجماً تليفزيونياً ولكن لأن ملامحه معروفة للملايين حظيت قضيته بكل هذا الاهتمام الصحفي علي المستوي المصري والعربي وصار بعد الجريمة نجماً.. إلا أن الشهرة قد تلعب دوراً عكسياً لأن ميزان القضاء دائماً معصوب العينين لا يفرق بين شهير ومغمور ولكن القاضي بشر وتلعب شهرة الفنان أحياناً دوراً سلبياً خاصة إذا أسيء استخدامها... أتذكر أنني كنت حاضراً في المحكمة عام 1986 أثناء نظر قضية الموسيقار « بليغ حمدي» والمغربية المنتحرة «سميرة مليان» وذكر محامي بليغ أنه - أي بليغ بالطبع - أمل مصر في الموسيقي وأنه صاحب العشرات من الألحان الناجحة لأم كلثوم وعبد الحليم ووردة وفايزة و شادية، وهنا استوقفه القاضي قائلاً: إن أمامه قضية للمتهم بليغ حمدي وأنه لا تعنيه الأغنيات التي لحنها بليغ، وكان حكم القضاء هو الحبس سنة مع التنفيذ ضد بليغ حمدي والذي هاجر إلي باريس خمس سنوات وأصبح مطلوباً في مطار القاهرة - ترقب وصول - حتي أعيد فتح ملف القضية وأبرأت محكمة النقض ساحة بليغ حمدي وعاد لحضن القاهرة عام 91 ليضمه ترابها بعد عامين!!

للشهرة أحياناً آثاراً جانبية لأنها تضع الفنان في البؤرة، ومن أشهر قضايا الشهرة تلك التي أقامها مواطن من صعيد مصر في الثلاثينيات ضد الآنسة «أم كلثوم» يطالبها بالعودة إلي بيت الطاعة!!

وبعد ذلك قال هذا المواطن أمام القاضي إنه أراد أن يحظي بالشهرة علي حساب «أم كلثوم» وحكي لي الشاعر الغنائي الراحل « عبدالوهاب محمد» أنه بعد أن كتب أول أغنية «لأم كلثوم» وهي «حب إيه اللي انت جاي تقول عليه» فوجئ بأن الشاعر الجديد الشاب «محمد زكي الملاح» أطال الله في عمره يدعي أنه صاحب كلمات الأغنية وأقام ضده دعوي قضائية يتهمه فيها بسرقة الأغنية ولم ينقذ الموقف سوي أن «عبد الوهاب محمد» كان قد نشر كلمات الأغنية في مجلة كانت تصدر في الخمسينيات وهي «الجيل» وذلك قبل الدعوي القضائية بعام وأمام القاضي اعترف «الملاح» أنه أراد أن يحقق الشهرة ليلفت نظر «أم كلثوم» إليه ولهذا ادعي أنه مؤلف أغنية «أم كلثوم» «حب إيه اللي انت جاي تقول عليه»!!

وتنازل عبد الوهاب عن إقامة دعوي تشهير ضد «الملاح»، والغريب أن «محمد زكي الملاح» أثبت بعد ذلك أنه شاعر علي قدر لا ينكر من الموهبة ونجحت له بعض الأغنيات مثل «حلوين من يومنا والله» ل سيد مكاوي إلا أنه بالطبع لم يحقق شهرة «عبد الوهاب محمد» ولم تغن له أم كلثوم كما كان يحلم.

ولأن الفنان في بداية المشوار يشعر بأن عليه أن يحقق شهرة عريضة مهما كان الثمن فإن البعض لا يجد بأساً من إطلاق الشائعة مثل تلك التي لعبت دوراً في شهرة المطرب « عماد عبدالحليم» وهي أنه «ابن عبد الحليم حافظ» هناك بالطبع وجه شبه في الملامح بين عماد وعبد الحليم الذي منحه اسمه وكان عماد متأثراً شأنه شأن كل المطربين الجدد بتقليد عبد الحليم ولهذا برغم أنه لم يخترع الشائعة فإنه لم يكذبها وواجهها بالصمت الذي كان كافياً لكي يمنح الشائعة ذيوعاً وانتشاراً ولهذا فإن الشارع المصري والعربي أخذ يتساءل: « هل حقاً عماد هو ابن عبد الحليم ولهذا منحه اسمه ؟»، وكأننا بصدد فيلم « الخطايا» الذي أعاده عماد عبد الحليم باسم « حياتي عذاب» ولم يخفت صدي هذه الشائعة حتي بعد رحيل عبد الحليم حافظ عام 1977 لدرجة أن البعض اعتقد أن لعماد بالضرورة نصيباً من تركة عبد الحليم!!

وحقيقة ظهور «عماد عبد الحليم» هي أن عبد الحليم حافظ أراد أن يواجه صعود اسم « هاني شاكر» الذي أزعج وقتها عبد الحليم كثيراً فقرر أن يدفع بمطرب صغير ينازعه الشهرة ولهذا قدم للساحة «عماد عبد الحليم» ليقتسم مع «هاني شاكر» نصيبه من الشهرة وذلك عملاً بنصيحة كاتب كبير كان الشاعر « محمد حمزة» قد قال لي إن صاحب تلك النصيحة هو « إحسان عبدالقدوس» عندما وجد عبد الحليم غاضباً من بعض تصريحات لهاني شاكر قال له: «الولد يحارب بولد»!!

الشهرة أيضاً هي الطريق لبعض المناصب والوزير «فاروق حسني» دائماً ما يفضل أن يصبح وزيراً لمرؤوسين من المشاهير وكثير هم الذين عملوا تحت رئاسته وكانت مؤهلات الشهرة من بين مسوغات الحصول علي المنصب مثلاً أسند «فاروق حسني» مؤخراً إلي « محمد صبحي» منصب «مستشار بلا أجر» للنهوض بالمسرح، رغم أن الوزير لديه لجنة اسمها لجنة المسرح تعطي دائماً توصيات ولكنها شهرة «صبحي» هي التي دفعت «فاروق حسني» لإسناد هذا المنصب إليه قبل ذلك مثلاً منح الفنان « كرم مطاوع» رئاسة المركز القومي للسينما في نهاية الثمانينيات رغم أن كرم بالطبع هو أحد أعمدة «المسرح القومي المعاصر» وليس «السينما المعاصرة»!!

ومن الذين ساعدتهم الشهرة في الحصول علي المنصب « محمود ياسين» في عهد «فاروق حسني» عندما تولي رئاسة المسرح القومي وكان هناك من هم وظيفياً يستحقون المنصب لكنهم أقل شهرة إلا أن هذا لم يمنع محمود ياسين من المساهمة في أن يزدهر المسرح القومي في عهده!!

وتبعاً لقاعدة الشهرة فإن كلا من « صلاح السعدني و لينين الرملي» كثيراً ما يرشحا لمناصب في وزارة الثقافة ويرفضونها!!

وبالقطع فإن شهرة « حسين فهمي» كانت وراء ترشيحه لرئاسة مهرجان القاهرة وقبل أن يصل المنصب إلي «حسين فهمي» كان لدي الوزير رغبة في إسناد هذه المهمة إلي « عمر الشريف» الذي صار الآن رئيساً شرفياً للمهرجان.. يتولي رئاسة المهرجان حالياً « عزت أبو عوف» برغم أنه ليس من النجوم الكبار في السينما إلا أنه بالتأكيد أحد المشاهير!!

عندما تنتهي أو تخفت نجومية الفنان ويأفل إبداعه يتحول إلي تحقيق نجومية الأقوال والتصريحات بعد انتهاء نجومية الشباك خاصة في ظل انتشار الفضائيات، ومن أشهر اللائي احترفن نجومية الأقوال « مريم فخر الدين» ولهذا تسعي إليها الفضائيات خاصة إذا تعلق الأمر بالهجوم علي «فاتن حمامة».. فإن مريم حاضرة دائماً ولسانها لا يعرف حدوداً ولا قيوداً وتعيد لها هذه الأحاديث نجومية وشهرة لم تعد تطرق بابها!!

الشهرة نار يذهب إليها الفنان بإرادته يلسعه لهيبها لأنها تقيد حريته وعندما يستجيب الله لدعائه وينعم عليه بجنة الحرية يتضرع إلي الله بالرحمة والغفران.. وأن يعيده مرة أخري إلي نار الشهرة.. إنها نور يتمناها ونار لا يطيق البعد عنها!!

وصلات



تعليقات