هوليوود الحائرة .. بين الأصل والصورة (2-2)

  • مقال
  • 02:17 مساءً - 6 سبتمبر 2012
  • 3 صور



صورة 1 / 3:
Vanilla Sky وOpen Your Eyes
صورة 2 / 3:
Scent of a woman
صورة 3 / 3:
Some Like It Hot وFanfares of Love

أغلب الجمهور العربي شاهد واستمتع بأفلام هوليوودية حققت نجاحاً جماهيرياً منقطع النظير كــ The Mummy، Man On Fire، Insomnia، War Of The Worlds، Dawn Of The Dead وغيرها الكثير والكثير.. مالقاسم المشترك بين هذه الأفلام؟ كلها إعادة إنتاج لأفلام أصلية سبقتها في الاغلب لا تعرف عنها عزيزي أي شيء!

نتابع اليوم باقي عرضنا لبعض من أهم إعادات الإنتاج للأفلام الغربية الاصلية لنتناول هذا التوجه الفني المعاصر. لنبحث في عدد مختلف من التجارب عن سر نجاح أو فشل هذا التوجه، ومدى تأثيره بالقيمة الفنية المقدمة للجمهور.

Fanfaren der Liebe 1951 vs. Some Like It Hot 1959
موسيقيين عاطلين عن العمل يدفعهما الفقر للتنكر في هيئة فتيات للعمل في فرقة موسيقية مخصصة للسيدات في إطار كوميدي طريف ومغامرات وأحداث ومفارقات فكاهية. لا.. لا أتحدث عن الفيلم المصري " فرقة بنات وبس"!! بل عن الأصل الرائع والممتع Some Like It Hot. ربما شاهد الكثير منكم هذا الفليم الشهير للنجمة المثيرة مارلين مونرو والمرحين المبدعين (لاحقاً) توني كورتيس و جاك ليمون. لكن ما لا يعرفه الكثيرون أنه يعد واحد من أبكر إعادات الإنتاج التجارية! الفيلم إعادة إنتاج لفيلم ألماني سبقه بثمانية أعوام يدور حول ذات الفكرة.

إعادة الانتاج هنا مثال لاقتباسات عديدة في السينما الأمريكية لأفلام أوروبية وأجنبية المنشأ. ذات التوجه سنجده هذه الأيام مع إعادة انتاج فيلم The Girl with the Dragon Tattoo من أصله السويدي في ذات السنة تقريباً! ومع الخطط القادمة لإعادة تقديم الفيلم النرويجي Headhuntersفي قالب أمريكي. هنا الثقافة الأمريكية وإعادة الطرح دائماً ما تحقق نوع من الاكتساح للعمل الأصلي لدرجة عدم تذكره بالأساس! في Some Like It Hot يقوم المخرج بالاستفادة القصوى من تناغم فريق التمثيل وتألق المثيرة مونرو وحضورها الطاغي على الشاشة. ويدخل على سياق الفيلم الأصلي عصابة إجرامية يتورط الأبطال معها بالتالي يزيد من مساحة المفارقات الفكاهية لصالحه.

Spartacus 1960 vs. 2010
سبارتكوس هو من نوعية الموضوعات والشخصيات العامة التي أصبحت منبع لأفكار وطروحات متنوعة لصناع هوليوود، لا يمكنك حصر الانتاجات التي تناولت شخصية محرر العبيد سبارتكوس كما لا يمكنك حصر كم تناول شخصيات كدراكيولا أو فرانكشتاين مثلاً. يتعدى الأمر فكرة إعادة الانتاج هنا لينتقل لحدود المشاع من أمر الأفكار العامة المسموح للجميع تناولها بشكل مختلف كل مرة. فقط كمثال عن هذا النوع من إعادات الإنتاج سأتناول مثالين بأصل وصورة. الأصل هنا هو الفيلم الرائع للمخرج المتميز ومتعدد المواهب ستانلي كوبريك، كوبريك ترشح للأوسكار كمخرج عن أفلام أسطورية مثل Barry Lyndon و A Clockwork Orange و 2001: A Space Odyssey و Dr. Strangelove. يأتي لنا بفيلم من بطولة كيرك دوجلاس بدور محرر العبيد سبارتكوس في تناول تاريخي يضعنا في أجواء روما القديمة والمجالدين المتقاتلين حتى الموت. الفيلم صار مرجع لهذا النوع من الأفلام لكن علينا أن نعترف أن انتاجات حديثة تتناول ذات الموضوع وليس الشخصية صارت كلاسيكيات ومرجعيات في حد ذاتها. Gladiator ل ريدلي سكوت مثالاً.

عودة لشخصية سبارتكوس وإعادة الانتاج وهذه المرة مع المسلسل المتميز وانتاج 2010 والمستمر العرض حتى اليوم. اعادة الانتاج قد لا تناهز روعة أداء كيرك دوجلاس الكلاسيكي. لكن كون الأمر متمثل في مسلسل تلفزيوني أتاح للقائمين العمل على الإضافة لحد التشويه للعمل الأصلي وخلق حبكات درامية ومفارقات مثيرة ومشوقة أكثر بكثير. التقنية بالتأكيد هي إسم اللعبة كباقي أهم إعادات الإنتاج. لكن المسلسل وإن كنت من معجبيه ومتابعيه إلا أن به قدر كبير جدا من العنف والدماء إضافة لحد مرعب ومقزز من مشاهد العري الكامل والجنس. المسلسل واجه انتقادات شديدة حتى لدى عرضه على الشاشات الأمريكية المدفوعة الثمن. ما دفع القائمين لإضافة تحذير إضافي قبل العرض عن كم الجنس والعنف على الشاشة إضافة لتبرير الأمر كنوع من النقل الصادق لخصائص المجتمع الروماني القديم. بغض النظر كون المسلسل دراميا وتشويقياً ممتع لكن لا أنصح به بالمرة لكم ما به من ممنوعات. فقط نتذكر أن إعادة الإنتاج التلفزيوني رغم أنها حققت الكثير من النجاح وأضفت الكثير من الإثارة ربما المبالغ بها للقصة التاريخية، إلا أن الأصل هذه المرة حافظ على رقي كلاسيكي سجله في ذاكرة الكلاسيكيات الرائعة. مما يدفعك للتساؤل عن ما أصابنا كجمهور ليعجبنا هذا الكم من الجنس والعنف مقابل جمهور كريك دوجلاس الذي أعجب برقة المجالد الروماني ونبله.

Abre los ojos 1997 vs. Vanilla Sky 2001
نحن أمام سابقة في هذه المقالة حيث تقوم ببطولة كلا الفيلمين الأصل وإعادة إنتاجه نجمة واحدة! الحسناء الإسبانية بينولوبي كروز تشارك في بطولة Abre los ojos لمواطنها المخرج أليخاندرو أمانابار كاتب الفيلم أيضاً. تقوم الحسناء كروز وبعد الشهرة الهوليوودية بالمشاركة في إعادة الإنتاج الأكثر شهرة كإسم جماهيرياً Vanilla Sky مع كل من توم كروز والشقراء كاميرون دياز. القصة هي ذاتها، شاب وسيم على قدر من الثراء يقع في مثلث حب بشع وتقع له حادثة تشوه وجهه الجميل. ليصارع بين أمله في إعادة ما فقد من وسامة وأوهام حبيبته الصريعة مع أحلام حبيبته الجديدة. الإطار النفسي للعرض هنا يدفع بالدراما وحدود الأداء لمراحل متقدمة وممتعة.

هنا كان من الطريف متابعة بينولوبي تحديداً للوقوف على تطور أدائها بين الفليمين. يمكنك القياس دون ظلم كبير فالشخصية واحدة والممثل المؤدي لها هو واحد في هذه الحالة. في المجمل بينولوبي مظلومة بجمالها المشع الذي يجبرك على التحديق به وتجاهل الموهبة من خلفه. إلا أنها استطاعت أن تقدم نفسها بشكل متميز وجديد في إعادة الانتاج أيضاً. Vanilla Sky لم يحقق القبول الكبير لدى الجمهور. ربما لتعقيدات القصة وعمق الحبكة. ربما بسبب وجود توم كروز في حد ذاته فالكثيرون لا يحبون أداؤه ويصفونه بالجمود. إلا أني أحببت الفيلم بالتأكيد. ربما لا تفضل مشاهدة الأصل الإسباني لكن أؤكد لك أنه سيفوتك الكثير من الاستمتاع خصوصا أداء إدواردو نوريجا لشخصية توم كروز والذي جاء أفضل بمراحل وأكثر إتقاناً.

Profumo di donna 1974 vs. Scent of a Woman 1992
طبعا هي صدمة لدى عشاق هذا الفيلم الساحر والأداء الأسطوري ل آل باتشينو به. نعم، هو إعادة إنتاج لفيلم إيطالي فاجأني بمدى قوته وتأثيره هو Profumo di donna من العام 1974. مجدداً نحن أمام حالة جديدة لأمركة فيلم أوروبي رائع ومميز ليلائم الطابع الأمريكي والغربي بميزانية ضخمة واسم نجم كفيل بتحقيق إيرادات مليونية بمجرد ظهور إسمه على تيتر أي فيلم. لنبدأ مع آل باتشينو. الكل شاهد الفيلم، الكل أحب العميد المتقاعد الأعمى الذي لعب دوره باتشينو بشكل أكثر من رائع ضمن له الفوز بأوسكار أفضل ممثل عن دور رئيسي لذاك العام. القصة في العموم محاولة لمناقشة بعض الأبعاد الإنسانية العميقة في شخوص الكثير منا. رغم قوة الشخصية فهي غارقة في الوحدة واليأس والإشفاق على النفس. ربما علاقته مع الصبي الذي يحاول أن يعينه في إجازته هي التي أيقظت جزء من روح الرجل وحافظت على روحه.

الأصل الإيطالي شاهدته مؤخراً. لا أجزم أنه سيروق للكثير من جمهورنا العربي. المشكلة هنا أن عقولنا منغلقة على الأقل سينمائياً على أي سينما ليست محلية أو أمريكية. عموماً لم يمنعني الحوار الإيطالي من الاستمتاع بشدة بالفيلم الأصلي! الرائع فيتوريو جاسمان قام بأداء دور أسطوري مشابه لذات دور آل باتشينو.بالنسبة لي وجدت أداؤه أفضل وأجمل والأهم أصدق. معاناة الشخصية جاءت صادقة ومعبرة وقوتها جاءت غير مبالغ بها وتهيؤك لتصديق ضعف الشخصية وارتباكها النفسي. نعم أداء باتشينو كان مميزاً لكنه مال للمبالغة الدرامية في الطرح. تخيل معي من الصعب عليك أن تتصور في الحقيقة شخص أعمى بهذا الجبروت والتبجح! بالتأكيد أحببت إحترام النقل الإيطالي للقصة لعقلي كمشاهد فمن الصعب أيضاً قبول قيادة أعمى لفيراري دون وقوع مصيبة! ربما افتقدت مشهد الرقصة الشهيرة للتانجو لكن دون ذلك كان الاستمتاع الأقصى بالأداء الواقعي لكل الممثلين. فقط أختم أن كلا الفيلمين ترشح للأوسكار (النسخة الإيطالية في فئة الأفلام الأجنبية) وكلاهما لم يحقق أي أوسكار للإنتاج.

حسناً، أكتفي بهذ القدر من عرض الأمثلة لإعادات الإنتاج. حينما اهتممت بالأمر وشرعت في الكتابة فشلت في وضع حصر محدد بل فوجئت بما ذكرت من حقائق وغيرها الكثير عن أفلام أحببتها أو كرهتها لكني حسبتها أصلية الإنتاج. هل تعلمون أنه وفقاً للتقارير فإن العام القادم سيشهد حوالي 50 إعادة إنتاج؟! نعم 50 الرقم صحيح. لست ضد الأمر فبدون إعادة الإنتاج كمنهج سينمائي لم نكن لنرى بعض الروائع السينمائية بالمرة. أحياناً بحكم محدودية الإطلاع كإعادات الإنتاج لأفلام أوروبية أو أجنبية المنشأ مثلاً. وأحياناً كنا سنعرض لأن نخسر الطرح السينمائي المتميز لفكرة أو قصة ما تم تناولها بشكل عديم الإتقان أو فقير الإمكانيات. في حالات سنجد إعادة الإتناج جاءت كنوع من تأثر القائمين على العمل بالإنتاج الأصلي، ذات الأمر هو حقيقة أن نجاح هذا الأمر يرجع لوجود جمهور حقيقي لهذا النوع من الأفلام تدفعهم نحو مشاهدتها ربما بسبب الحنين لذكرى متعة الإنتاج الأصلي أو الفضول لرؤية أمر لم يتح لنا الفرصة لمشاهدته أو ربما الفضول عن كيف ستكون إعادة الإنتاج؟ الأمر حقيقة الذي دفعني أحياناً لمشاهدة الفيلم لمجرد نيل الفرصة للحكم من يفوز في مواجهة الأصل والصورة!.

مجدداً أنا لست ضد الفكرة. فقط أنا ضد النسخ الكربوني السخيف لبعض التجارب كخدعة تسويقية ليس إلا. دون إضافة طعم خاص أو بعد درامي جديد للقصة والشخصيات. لكن يبقى التخوف خصوصاً مع تزايد أعداد هذه الأفلام عن شبهات إفلاس الصناعة السينمائية الأمريكية من الأفكار الأصلية. أقول هنا الصناعة لأنه ببساطة لا يمكن أن تنضب ذخيرة مخيلة الإنسان بأي حال من الأحوال. وستستمر السينما في تقديم العديد من الحكايا والأحلام المتلفزة. أترككم لحالة البارانويا التي أصابتني مع هذا الكم من التناول لإعادات الإنتاج. ما سيدفعني لعدم الإطمئنان حيال أي فيلم مستقبلاً إن استمتعت به، وذلك أمام هذ التساؤل المرعب: هل هذا الفيلم أصل؟ أم مجرد صورة.

لمتابعة الجزء اﻷول من التقرير link



تعليقات