العبقرية تكمن في التفاصيل (2)

  • مقال
  • 04:54 مساءً - 18 اكتوبر 2012
  • 5 صور



صورة 1 / 5:
Oldboy.. وهو يلتهم أخطبوط يبدو حياً.. في الواقع هو كذلك بالفعل
صورة 2 / 5:
The Thief and the Cobbler.. استغرق صنع الفيلم الغير مكتمل 28 سنة!!
صورة 3 / 5:
Stanley Kubrick.. أحد أشهر المخرجين في هوليوود الذين برعوا في الاهتمام بالتفاصيل لدرجة التقديس!
صورة 4 / 5:
Aguirre: The Wrath Of God.. بطل الفيلم كلاوس كينسكي هدد بالرحيل من الفيلم، ليقابله المخرج المجنون بالتهديد جدياً بقتله بالرصاص ومن ثم بالانتحار!!
صورة 5 / 5:
Fellowship Of The Ring.. بيتر جاكسون قام بمراعاة أدق التفاصيل في عملية إخراجه لعمله الأسطوري

نستكمل ما بدأنا من عرض لبعض لمحات مجنونة لصناع السينما تظهر اهتمامهم المرعب بالتفاصيل. التفاصيل التي حتى إن لم يعلم بها المشاهد وبمقدار الجهد الذي وضع بها، فإنه بالتأكيد تصل إليه من خلال قبوله واستمتاعه وتقديره لمجمل العمل الفني ولصانعيه. الأمثلة لا تنتهي وأود أن أذكركم أن ما أسرده هنا هي مجرد لمحات بسيطة لجنون صناع السينما من بعض أفلامهم. قد يضم الفيلم الواحد عدد أكبر من اللمحات العبقرية أو الممتعة لكن حديثنا هنا عن عبقرية الإغراق والاهتمام بالتفاصيل. أملي أن نقدر أكثر كجمهور عربي هذه الأعمال وتفاني صناعها في تفاصيلها.

Oldboy
الفيلم الكوري الشهير (إن لم تره فقد فاتك الكثير وإن لم تره وكنت صاحب مشاعر حساسة أو كنتي فتاة رقيقة أنصحكم بعدم رؤيته) والذي بالنسبة لي يحمل رائحة خفية لعوالم كوانتين تارنتينو العنيفة والفانتازية، وربما بعض من إثارة أفلام هيتشكوك العظيم. يعد رائعة سريالية مليئة بالدماء والعنف السيريالي. البطل وبعد احتجازه في غرفة لأعوام كثيرة يخرج للانتقام وفي هذا السياق نرى المشهد الشهير لشخصية البطل والتي أداها مين سيك تشوي باقتدار معتمداً على خلفيته المسرحية الثقيلة، وهو يلتهم أخطبوط يبدو حياً.. في الواقع هو كذلك بالفعل والسبب أن المخرج أصر على واقعية المشهد! تشوي قام بفعل ذلك بالفعل! وباعتباره بوذي متدين رأى في فعلته عنف وجريمة بحق الحيوان أمضى تشوي ساعات كثيرة إثر المشهد في الصلاة وطلب الكفارة عن فعلته!

The Thief and the Cobbler
هناك إحتمالية كبيرة أن يكون أغلب من يقرأ هذه الأسطر الآن قد شاهد رائعة ديزني Aladdin. نفس الاحتمالية الكبيرة تصب في صالح أن أغلب هؤلاء إن لم يكن جميعهم لم يروا فيلم الأنيميشن الرائع The Thief and the Cobbler بالرغم من أنه يعد الأب الروحي لفيلم ديزني الشهير وغيره من أفلام الأنيميشن التي نعشقها. الفيلم قصته مأساوية لمخرجه وصاحبه الكندي الشهير ريتشارد ويليامز صاحب فيلم الأوسكار Who Framed Roger Rabbit. التفصيلة هنا دون الدخول في التاريخ المأساوي للفيلم وانهيار حلم الرجل بل وتشويهه تجارياً أن ويليامز استغرقه صنع الفيلم الغير مكتمل 28 سنة!! كل لقطة وكل حركة مرسومة على الشاشة رسمها الرجل بيده دون مساعدة فعلية من أحد وكان غرضه الخروج بعمل رائع وقد كان له الأمر ولكن بشكل مأساوي ربما نتحدث عنه في سياق مختلف.

Stanley Kubrick
هذا ليس باسم فيلم وانما اسم واحد من اهم صناع السينما العالمية. ستانلي كوبريك أحد أشهر المخرجين في هوليوود الذين برعوا في الاهتمام بالتفاصيل لدرجة التقديس! الرجل لديه في مكتبة أفلامه عديد من الروائع المتخمة بالتفاصيل الدقيقة والذكية. في الفيلم الأسطوري من نوعه 2001 A Space Odyssey كاد به الأمر أن يطلب أن يتم تصوير المشاهد على القمر بالفعل! غير انه اكتفى بطلب ان تكون المعدات الظاهرة في مشاهد القمر صالحة بالفعل للعمل عليه وفي البيئة القمرية!! الأمر الذي تكفل بالاستعانة بعدد من خبراء ناسا والفضاء إضافة لبضع ملايين من الدولارات في معدات تظهر في الشاشة لدقائق بسيطة فقط! الأمر مقارب لما قام به في الفيلم الرائع Dr. Strangelove حيث أن قاذفة الصواريخ B52 التي ظهرت في الفيلم ظهرت بكم هائل من التفاصيل لدرجة أن بعض أفراد القوات الأمريكية الجوية ممن شاهدوا الفيلم توافقوا على أن التصاميم مطابقة للواقع بدرجة تثير الرعب خصوصا أنه في ذاك الوقت كانت القاذفة المهولة من الاسرار الحربية والتي لا يعرف عنها الكثيرون! في ذات الفيلم صمم كوبريك على أن تكون طاولة المحادثات في غرفة الحرب مغطاة بمخمل أخضر اللون مشابه لما يستخدم في طاولات البوكر والقمار حتى تظهر التورية بمقامرة الساسة ورجال الحرب بمستقبل البشرية. أمر جميل ويشكر عليه المخرج لكن أكاد أصاب بالفالج حينما أتذكر الحقيقة البسيطة أن الفيلم صور تماما بالأبيض والأسود!!

Aguirre: The Wrath Of God
هذا الفيلم أحد الجواهر الضائعة عن الجمهور العربي. شاهدت الفيلم منذ خمسة أعوام تقريباً ولازلت أذكر العديد من مشاهده بالرغم من طبيعته الغريبة التي تشعرك أن الفيلم وثائقي وليس بفيلم درامي. المخرج وارنر هيرزوجببساطة أراد فيلم ممتلئ بالتفاصيل متخم بالواقعية. مع وجود ميزانية محدودة للغاية تعيق استخدام البدلاء أو الخدع السينمائية ومواقع التصوير الضخمة. قام المخرج ببساطة بحمل طاقم التصوير بالعيش بذات مفردات وأدوات ووسائل الفترة التي يحكي عنها! دون زيادة ودون نقصان. انتم أمام فيلم مطلوب من ممثليه أن يعيشوا بالفعل شخوصهم ويتصرفوا وفقا لهذا الأمر. النتيجة فيلم مغرق في التفاصيل الواقعية عن هذه الفترة ورحلات البحث عن مدن الذهب. الأمر الذي كان من الأرهاق لأبطال العمل لدرجة أن بطل الفيلم كلاوس كينسكي هدد بالرحيل من الفيلم، ليقابله المخرج المجنون بالتهديد جدياً بقتله بالرصاص ومن ثم بالانتحار!!

Fellowship Of The Ring
الثلاثية ذائعة الصيت لسيد الخواتم كانت عمل ملحمي ليس بالقصة المنقولة أمام الكاميرا ولكن بما خلفها أيضاً. بيتر جاكسونقام بمراعاة أدق التفاصيل في عملية إخراجه لعمله الأسطوري، مثال بسيط: في الفيلم المذكور يجمع مشهد جاندالف بقامته الطويلة مع القزم الهوبيت بيبلو باجينز داخل منزل الأخير في إيند باج. إيان هولم في دور الهوبيت القصير بني له منزل من ديكور الهوبيت بالحجم الطبيعي له. جاندالف ويقوم بدوره المخضرم إيان ماكلين يزور بيت الهوبيت الصغير هنا وبدلا من الاستعانة بالمؤثرات البصرية للخروج بالمشهد، يقرر جاكسون أن يبني بيت مطابق لذات الديكور لكن بحجم صغير ومتقلص ليؤدي به جاندالف دوره ومن ثم يحدث الجمع الذكي بين المشاهد لإقامة مشهد نهائي ممتلئ بالتفاصيل التي ربما لم نشعر بها أصلا!



تعليقات