The Wolf of Wall Street: خفة عجوز في السبعين من عمره

  • مقال
  • 03:43 مساءً - 22 يناير 2014
  • 2 صورتين



صورة 1 / 2:
بوستر فيلم The Wolf of Wall Street
صورة 2 / 2:
خفة الرجل العجوز

أكثر ما أثار انتباهي في الفيلم الجديد للمخرج مارتن سكورسيزي، The Wolf of Wall Street، هو خفة الروح الشديدة التي صنع بها الفيلم، ومنطق اللعب والتجريب الذي يحرك صانعه، كأنه مخرج في مقتبل حياته، وليس عجوزاً في الثانية والسبعين من عمره.

منذ افتتاحية الفيلم القصيرة، التي يظهر فيها أسداً يتحرك بين أحد مكاتب البورصة الكبرى في وول ستريت، ينتابنا ذلك الشعور بالخفة، وبعد دقائق قليلة سندرك أن هذا الفيلم به كل ما يميز مارتن سكورسيزي.. وفي نفس الوقت هو مختلف فعلاً عن أي مما قدمه سابقاً.

يحكي الفيلم قصة "جوردن بيلفورت"، الرجل الذي صار مليارديراً أمريكياً بجهده الذاتي وهو في منتصف العشرينات، عن طريق عبقريته الاقتصادية في التسويق والمضاربة بالبورصة، ويتتبع "سكورسيزي"، عبر ثلاث ساعات عرض تجعله الفيلم الأطول بين أفلام الرجل، رحلة مفضلة موجودة في أغلب أفلامه عن الصعود إلى القمة ثم الهبوط إلى أسفل نقطة في القاع.

الفيلم مختلف تحديداً في كونها المرة الأولى التي يقدم فيها "سكورسيزي" فيلماً يصلح لوصفه بـ"فيلمٍ كوميدي"، الكثير من التتابعات، المشاهد، التفاصيل، طريقة الإخراج والاستخدام المكثف للـ"سلو موشن" مثلاً، أو وجود ممثل كوميدي صريح كـ" جوناه هيل"، تدعم الفيلم في تلك المنطقة، لذلك يبدو الرجل العجوز مختلفاً، يتحرك في مناطق جديدة عنه، كما فعل في Hugoقبل ثلاث سنوات، قبل أن يظهر هنا، في عمق فيلمه الجديد ألفة شديدة مع تفاصيل "سكورسيزية" الطابع في كل جوانب العمل.

"جوردن بيلفورت" هو نسخة جديدة من بطل "سكورسيزي" الذي يتكرر في كل أفلامه المهمة: الملاكم جيك لاموتا الذي ينافس على بطولة العالم قبل أن يتحول لرجل فاشل ومحطم ووحيد في Raging Bull، رجل العصابات هنري هيل الذي يحقق كل شيء قبل السقوط والاضطرار للعمل مع الـFBI في Goodfellas، الطيار هوارد هيوز الذي يصبح من أغنياء السينما والطيران في عصر ذهبي قبل أن يبدأ في تدمير نفسه بـ The Aviator، ونماذج أخرى من بقية الأفلام، "بيلفورت" هو صورة أخرى من هؤلاء، رحلة صعود مالية وإنسانية إلى السماء، ثم الهبوط بخيار التدمير الذاتي وخسارة كل شيء.

الفيلم أيضاً يحمل، بوضوح، نقطة أخرى تشغل "سكورسيزي" في كافة أفلامه، وهي"تتبع الحلم الأمريكي"، في مدينته المفضلة "نيويورك"، في شارع المال تحديداً، يقترب ليرى، كما حاول مراراً طوال أربعة عقود، كيف أن تلك المدينة عفنة جداً من الداخل، منذ جملة ترافيس بيكال في Taxi Driver عام 76: "يوماً ما سيأتي المطر وينظف كل القمامة من شوارع المدينة"، منذ تلك الجملة.. وسكورسيزي يتتبع تلك القمامة وذلك العفن، "أمة من الفئران" كما يقول في The Departed، مبنية على أنقاض منسية كما يحكي في اللقطة الأخيرة من Gangs of New York، في كل عمل لـسكورسيزي هناك صورة مفزعة جداً لمدينة نيويورك التي عاش فيها وعشقها إلى درجة الكراهية، و"ذئب وول ستريت" هو مجرد قطعة أخرى في قائمة أفلام متصلة ببعضها.

تقنياً أيضاً لا يبدو "سكورسيزي" مختلفاً عن سابقه، وتلك هي أحد مشاكل العمل، يستخدم نفس الشكل السردي المتلاعب الذي حققه في أفلام سابقة، وبالتحديد Goodfella و Casino، الأفلام الثلاثة تتماثل في تناول رحلة صعود وهبوط، ولكن ما أقصده هو جوانبها التقنية: طريقة استخدام الراوي، تثبيت اللقطة عن "فريم" معين لسرد تفصيلة ما ثم الإكمال، طريقة الحكي عن الشخصيات الفرعية، حركة الكاميرا الـDolly العنيفة إلى الأمام، المونتاج المتوازي، وغيرها من الأمر، هناك ألفة شديدة مع كون هذا فيلم لـ"سكورسيزي"، ولكن في نفس الوقت شعوراً بأن الـStyle الإخراجي مكرر، وأنك تراه لمرة ثالثة، دون دهشة بالتأكيد كالمرة الأولى.

إلى جانب ذلك، فإن هناك نقطتين تقللان من جودة العمل، الأولى هو أنه طويل فعلاً! ليس إلى أي درجة من درجات الملل ولكن هذا الشعور بأن هناك ثلث ساعة على الأقل يمكن تقليلها من فيلم كهذا، مشهد كحوار "بيلفورت" مع عميل الإف بي آي في الـ"لانش" الخاص به، يستمر على الشاشة لعشر دقائق كاملة، في منتصفه نفقد الاهتمام، كذلك بعض التتابعات الأخرى في الفيلم، كـ"تتابع ليمون" مثلاً.

الأمر الثاني أن الفيلم، ورغم بناءه العظيم لشخصية "بيلفورت"، شعورنا بمقدار موهبته منذ دقائق الفيلم الأولى، وتفهمنا لماذا سيصبح بذلك النجاح منذ المكالمة الأولى التي يقنع بها أحدهم بالمضاربة في مكتب البورصة الصغير الذي يعمل به، والأهم إدراكنا لأسباب السقوط التي تتناثر طوال ساعات الفيلم، أقول أنه وعلى الرغم من ذلك إلا أنه أهمل فعلاً شخصياته الفرعية بشكل شبة كامل، أمر لم يضر الفيلم في بدايته، ولكن مع تتابعات النهاية بدا واضحاً أن هناك بعض الأشياء غير الواضحة لأن الشخصيات الفرعية غير عميقة من الأساس، كأن لا نعرف أو نفهم السبب الذي دفع "دوني" للوشاية به، أو أن الشخصيات الفرعية لها منطقها ولكنها باهتة وبعيدة، كشخصية عميل "الإف بي آي" مثلاً.

خلاف ذلك، يضع "سكورسيزي" الكثير على عاتق بطله ونجمه المفضل حالياً ليوناردو دي كابريو، ويقوده، كالعادة، لواحد من أفضل أداءاته، "دي كابريو" يحمل جانباً كبيراً من جودة الفيلم فعلاً، الكثير من جاذبية الشخصية بالنسبة لنا مرتبط به أكثر من أي شيء آخر، وبكيميا مدهشة على الشاشة مع "جوناه هيل".. يخرج الحس الكوميدي الذي أراده "سكورسيزي" في فيلمه بأفضل صورة.

مجملاً، هذا فيلم جيد آخر من مارتن سكورسيزي، ربما ليس بكلاسيكية أفلام من قبيل Taxi Driver أو Raging Bull أو Goodfellas أو The Departed، إلا أنه يظل فيلماً كبيراً وذو قيمة حقيقية، وأكثر ما يميزه ربما هو تحرر الرجل من الثقل الذي تمنحه له سبعون عاماً، والتحرُّك بتلك الخفة الجميلة المدهشة.



تعليقات