أراء حرة: فيلم - Kon-Tiki - 2012


KonTiki: إعادة إحياء متواضعة لقصة عظيمة

Kon-Tiki يؤرخ لأكبر إنجاز حققه العالم والمستكشف النرويجي "ثور هييردال"، وهو قيامه بإثبات أن سكان جزر بولينيزيا التي تقع في المحيط الهادي هم في الأصل من شعوب أمريكا اللاتينية القديمة, وليسوا قادمين من آسيا كما كانت كل النظريات تطرح حتي ذلك الوقت. تواجه هذه النظرية بمقاومة شديدة من العلماء, وذلك لإيقانهم باستحالة عبور المحيط الهادي لمسافة 8000 كم بالأساليب البدائية التي كانت تستخدم منذ 1500 عام. ولإثبات صحة استنتاجه, قرر "ثور" أن يعيد تمثيل الرحلة التي قام بها أبناء قبيلة "هاو إيبي" باستخدام نفس...اقرأ المزيد الوسيلة (طفو خشبي وطاقم مكون من خمسة أفراد). فيلم Kon-Tiki نجح في سرد مغامرة المستكشف النرويجي "ثور هييردال" بدقة تاريخية، بدون إحداث تغييرات كبيرة في تفاصيل الرحلة لخدمة السيناريو درامياً. ويتمثل إنجاز الفيلم الأكبر في احتواءه علي الكثير من الخدع البصرية التي تم تنفيذها بإتقان شديد. الفيلم معظم أحداثه تدور داخل المحيط, بكل مخاطره المحتملة, التي يواجهها ثور وطاقمه مراراً خلال رحلتهم. يداعب حوت كبير الطفو الخشبي الذي يستقله طاقم الاستكشاف، وتهاجمه مجموعة مبالغ في عددها وأحجامها من أسماك القرش, و تطيح به أمواج ضخمة وهو علي مشارف شاطيء جزيرة بولينيزيا. وإن كانت جميع هذه الظواهر مصورة ومنفذة بشكل مقنع تماماً، فاستخدامها في سياق السرد لم يكن إلا وسيلة لمليء الفراغات التي تعانيها معظم الشخصيات باستثناء البطل "ثور". بعد مجموعة من المشاهد السريعة التي نري فيها ميلاد الفكرة في عقل ثور, يبدأ تتابع من المشاهد بنفس الإيقاع السريع يستعرض بحث ثور عن ممول لمغامرته الطائشة. أثناء محاولاته، يتعرف ثور علي "هيرمان"، مهندس في الثلاثينات يعمل في تجارة الثلاجات، وتستهويه بشكل لحظي قصة ثور ورحلته التي يخطط لها، ويصبح هيرمان أول فرد يعينه ثور في الطاقم المصاحب له. وحين وصوله بيرو حيث نقطة البداية، نتعرف علي بقية أفراد الطاقم، والذين يبدو ظاهرياً أنهم يشاركون ثور حلمه وشغفه بالبحث عن الحقيقة, ولكنهم في أعماقهم هاربين من إحباطات وإخفاقات خيمت علي ماضيهم. وخلال الرحلة، نكتشف خوف هيرمان واندفاعه, الذي يجلب المتاعب أحياناً, ويستفز بقية أفراد الطاقم بسلبيته التي تكاد تكون معدية معظم الأحيان. وبعيداً عن مشاهد منفصلة تشعر وكأنها وجدت فقط لتعرفنا بخلفية بقية الشخصيات, لا نري الكثير من التفاعل الإنساني وتفاصيل الحياة اليومية بين أفراد الطاقم إلا عند مواجهة أي كارثة تخلقها الطبيعة الموحشة المحيطة بهم. أما "ثور هييردال" بطل القصة، فقد تم استكشافه وتحليل شخصيته بشكل جيد، فدوافعه للقيام بتلك الرحلة واضحة منذ البداية، وشغفه بالبحث والمغامرة ظل ينمو بداخله طيلة عشرة سنوات أقامها في جزيرة بولينيزيا يدرس طبيعة سكانها وحضارتهم. مع ذلك، لم يكن أداء "بول هاجن" مميزاً، وافتقر إلي التنوع خارج اللحظات الدرامية المؤثرة. والفيلم عامةً خلي من التجديد في سرد قصص مغامرات الصراع من أجل البقاء أو إثبات نظرية ما. فالفيلم احتوي علي مواقف تم تكرارها كثيراً في أفلام المغامرات التي يعلق أبطالها وسط المحيط أو في مكان معزول. حتي إذا كانت مغامرة ثور هي الأصل الذي استوحي منه المؤلفين فيما بعد التفاصيل والمواقف التي شكلت قصصهم أو سيناريوهاتهم, فكان علي صناع الفيلم تقديم هذه المواقف و صراعات البطل مع الطبيعة بشكل جديد يليق بإعادة إحياء مغامرة كلاسيكية كتلك. فيلم Kon-Tiki يملأ مشاهده بالمشاعر الإيجابية ويجعله يتابع المغامرة باستمتاع بسبب إخلاصه في نقل قصة ثور بأهم ما حملته من أحداث وقيم إنسانية، ولكنه يفتقد الكثير من الأصالة وعمق الشخصيات الذي كان من الممكن أن يجعله فيلماً خالداً عن شخصية عظيمة.


(كون تيكي) مغامرة لكشف الحقيقة

يلعب البناء الدرامي في الأفلام التاريخية التي توثق أحداث وقعت بالفعل على وتر واحد، وهو وتر الواقعية فيحاول القائمين عليها تقديمها بأقل خدع سينمائية، أو مؤثرات بصرية وسمعية ممكنة... فقط مشاهد تشبه الواقع بطريقة صادقة ومؤثرة، تعبر بلغة فنية راقية عن الحقيقة وتفاصيلها.... (كون تيكي) قصة مثيرة ألفها العالم (ثور هيردال) وقدمها بكتبه الذي يحمل نفس العنوان عام 1948 ثم قدمه كفيلم وثائقي عام 1950 ونال عنه جائزة الأوسكار وقتها، ولكونها تجربة تبعث على التأمل، التحدث والغوص في بحور الحقيقة قرر المخرجان...اقرأ المزيد (جواشيم روننيج، وإيسن ساندبرج) تقديمها مرة أخرى للتأكيد عليها ولإثبات حقيقة واحدة تمثلت في كون النرويجيين هم من اكتشفوا أمريكا وليس البحارة (كريستوفر كولومبوس) كما يُدعى. ففي عام 1947 قرر العالم الإنثروبولوجي النرويجي الأصل (ثور هيردال) القيام برحلة بحرية عبر المحيط الهادئ مستخدما مركب صغيرة أطلق عليها اسم (كون - تيكي) قام بصنعها من الخشب باحرا من جزر (البولوينزية) في محاولة منه ﻹثبات أن سكان هذه الجزر قد أتوا من الغرب، وأنهم هم أول من اكتشف أمريكا الجنوبية، وقد رافقه في رحلته تلك التي استغرقت حوالي 100 يوم تقريبا زوجته ومجموعة من أصدقائه معتمدين على قوة دفع الأمواج والرياح على الأكثر.... وبالرغم من أن الخطوط الدرامية الفرعية بالفيلم كانت تقليدية بشكل كبير، وتم سرد الأحداث فيها بطريقة عادية، إلا أن المخرجان النرويجيين نجاحا في تقديم مجموعة من المشاهد غاية في الواقعية التي تٌحبس معها الأنفاس وتترك المُشاهد يسبح ويعافر مع أمواجها العاتية بحثا عن تلك الحقيقة وعن أصل القضية. حاول فيها كل فريق العمل التأكيد على مهاراتهم وتمكنهم من اختيار الفرص القليلة المتاحة. وتمثل التألق وتجلت البراعة في تمكن الممثل (بال سفير هاجن) ودور العالم (ثور) متقمصا الشخصية بعمق، ومحاولة إبراز كل المحوار المختلفة التي تبنى عليها الشخصية الرئيسية بالفيلم، ليصبح البطل الرئيسي للعمل بلا منافس. وتأتي الموسيقى التصويرية التي وضعت لتحمل معها العديد من المعاني الجميلة، وتعزف على أوتار القلوب لتوصيل أجواء المغامرة المثيرة، اتسمت أغلب المشاهد بالبساطة والبعد عن جماليات الصورة من إضاءة وحركة، وكانت أكثر المشاهد تأثيراً مشاهد مهاجمة أسماك القرش للمركب وكذلك محاولة التغلب على الأمواج، ومعاناة العالم (ثور) في السباحة وفشله في تعلمه، وكيف تغلب على ذلك عندما وجد نفسه في قلب الأحداث ذاتها وليست لديها الخبرة الكافية لذلك. ويعد فيلم (كون تيكي) أضخم إنتاج نيروجي على الإطلاق حيث بلغت ميزانيته 16 مليون، وقد رشح الفيلم لجائزة الأوسكار لفئة أفضل فيلم أجنبي، وقد حقق حوالي 22,168 دولار أمريكي في أول أسبوع عرض له بالصالات الأمريكية. ويدخل ضمن فئة الأفلام التي لا تصلح لمشاهدتها الأطفال لما تحتويه من مشاهد عنف تميل في بعض الأحيان للمشاهد المخيفة خاصة (مشاهد مهاجمة أسماك القرش للمركب) وقد شارك بانوراما الفيلم الأوروبي لعام 2013 كفيلم الافتتاح.